رشيد نيني:ديمقراطية الملاسة

اقترح أحد الأساتذة الجامعيين خلال ندوة أكاديمية في الجديدة على هامش مهرجان الفرس، إحداث ماستر جديد لنيل شهادة الدكتوراه في علم الفروسية. وقال بأن علم «التبوريضة» محتاج إلى تعميق النقاش الأكاديمي حوله، خصوصا حول الأدوات التي تدخل ضمن مستلزمات «التبوريضة» والتي يحتاجها الفرس والفارس لكي يمنح الجمهور فرجة ناجحة. وهكذا بقليل من الإلحاح، والله يحب العبد الملحاح، قد ينجح هذا الأستاذ الجامعي في إضافة تخصصات جديدة في شعبة الماستر بالجامعات المغربية. فيصبح لدينا طلبة باحثون متخصصون في تاريخ الصفيحة، وآخرون متخصصون في السروج والمكاحل.
ولعل التخصص الآخر الذي يجب إحداثه أيضا في الجامعات المغربية هو السحر. فالمغرب لديه شهرة عالمية في هذا التخصص، ومن يشاهد القنوات العربية، وخصوصا قناة «إم بي سي» السعودية ويتابع كل تلك البرامج التي تقدمها حول مصارعي الجن في المغرب والساحرات اللواتي يشرحن للمشاهدين دون أن يرف لهن جفن كيف يفرقن بين الزوج وزوجته، يقتنع بأن المغرب لديه احتياطي كبير من السحرة، إلى درجة أنه أصبح يصدرهم إلى الخارج.
وهكذا سيصبح لدينا طلبة يعدون ماستر في سحر «الثقاف»، وآخرون يعدون ماستر في سحر «الربطة»، مع إمكانية وجود تخصصات أكثر دقة داخل هذه الشعب، كأن يختار الطالب مثلا ما بين «الربطة الزغبية» و«الربطة» العادية. ويستحسن أن تتعاقد وزارة التعليم العالي مع تلك الساحرة، غير الشمطاء، التي ظهرت مؤخرا من أكادير على شاشة قناة «إم بي سي» وهي تشرح بالتفصيل الممل للمغاربة ولجمهور العالم العربي خلطاتها السحرية المخيفة المكونة من «زغب الحمام» و«خروج بنادم» ومواد أخرى سامة، تستعملها للتفريق بين الزوج وزوجته، كما تستعملها لإسقاط شعر المرأة و «تبصيل» رأسها، وتدمير جسدها بالموت البطيء . وندعو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لاستدعاء هذه السيدة إلى مختبراتها والاستفادة من «سوابقها» السحرية المدمرة، مادام أن وزارة الداخلية تعتبر ظهور مواطنة مغربية في قناة فضائية واعترافها الصريح بالقيام بتسميم المواطنين وإلحاق الأذى بهم عن سبق إصرار وترصد، مسألة لا تدعوها إلى تحريك مصالحها الأمنية بأكادير لاعتقال هذه السيدة واستنطاقها حول ما تقوم به من أعمال سحرية تضر بسلامة وصحة المواطنين.
فمصالح وزارة الداخلية مجتهدة فقط عندما يتعلق الأمر بإغلاق دور القرآن، أما دور السحرة والمشعوذين فتتساهل معهم. مع أن القانون واضح في هذا الباب، ويأمر باعتقال وإغلاق المحلات التي يمارس فيها النصب والاحتيال. والسحر والشعوذة في القانون المغربي يدخلان ضمن باب النصب والاحتيال.
أما «واحد» وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المؤسسة المسؤولة عن الأمن الروحي للمغاربة، فيبدو أنها غير معنية بهذه «السمعة» المخيفة التي يعطيها أمثال هؤلاء السحرة والمشعوذون عن المغرب في الخارج، خصوصا في الدول العربية. وكيف ستتدخل وزارة «السي» التوفيق لإغلاق دور الشعوذة وهي غير قادرة حتى على مجرد إغلاق دار للدعارة في عمارة تابعة لأملاك الأوقاف في طنجة.
وشخصيا لم أملك سوى أن أردد في داخلي «لا حول ولا قوة إلا بالله» وأنا أسمع أن نظارة الأوقاف في طنجة أرسلت إلى وزارة الأوقاف في الرباط رسالة تطلب فيها منها العمل على إخراج إحدى السيدات من شقة في عمارة الأوقاف بسبب الأعمال المشينة التي تقوم بها والتي يشتكي منها كل سكان العمارة ووقعوا عريضة استنكارية ضدها ووجهوها إلى ولاية الأمن.
وإذا كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عاجزة عن تنظيف ممتلكاتها العقارية من دار للدعارة، فكيف سنطلب منها العمل على إغلاق دور الدعارة والسحر والشعوذة في عمارات الآخرين.
ثم لماذا أصلا نقترح إحداث تخصصات مثل ماستر «التبوريضة» والسحر في الجامعات المغربية. لسبب بسيط جدا وهو أن هذه التخصصات الجامعية هي التي تصلح لهذه المرحلة في المغرب. خصوصا عندما نرى أن المهندسين المغاربة من خريجي «مدرسة الطرق والقناطر» الباريسية العريقة، والذين يديرون شؤون البلاد، أظهروا أنهم غير قادرين على بناء قناطر وطرق حقيقية تصمد أمام الأمطار.
وقد انتظر كريم غلاب وزير التجهيز والنقل، وخريج مدرسة الطرق والقناطر، حتى أتت الفيضانات على أغلب الطرق والقناطر في الشمال والشرق وأصبحت مدينة تازة مدينة مقطوعة عن العالم، لكي يفكر في فتح تحقيق في الأيام القادمة حول البنيات التحتية التي ذابت في هذه المناطق مثل قطعة سكر وسط المياه.
فالمهندس كريم غلاب بهذه «الهدة» التي يحاول القيام بها يريد أن يلقي باللائمة في ما وقع في الشمال والشرق على الشركات التي فازت بصفقات إنجاز هذه البنيات التحتية، والتي لم تحترم ما تنص عليه دفاتر التحملات الوزارية.
والحال أن الذي يتحمل المسؤولية المباشرة في كل هذا الغش الذي أماطت عنه اللثام الفيضانات الأخيرة هو وزير التجهيز أولا، ثم بعده تأتي لائحة المسؤولين الذين سيقتسمون معه نصيبهم من المسؤولية. وتبقى فكرة فتح تحقيق في مدى مطابقة أشغال البناء في المناطق المنكوبة لدفاتر التحملات مجرد مزحة لن يصدقها أحد. فسعادة الوزير المهندس لم يفتح تحقيقا حتى عندما تسربت المياه من سقف محطة الوصول الثانية في مطار محمد الخامس الدولي، وأغمض عينيه عن هذه الفضيحة التي لو وقعت في دولة تحترم نفسها لأقيل مدير المكتب الوطني للمطارات على الفور.
والمحير في صمت وزير التجهيز عن فضيحة تسرب المياه إلى المحطة وربط مدير المطار للتسرب بأشغال تثبيت المكيفات الهوائية في السقف من طرف التقنيين، هو معرفة الوزير بأن نظام التكييف الهوائي المعطل الذي وضعته شركة «SGTM» لازال تحت الضمان، والذي يمتد إلى سنتين. إذن فما حاجة المدير إلى تكليف تقنيي المطار بوضع مكيفات جديدة في السقف، مادامت شركة القباج التي تكفلت ببناء المحطة الثانية ملزمة بإصلاح نظام التكييف الذي انطلق في سبتمبر من السنة الماضية ولم يقفل بعد سنته الثانية.
وليس نظام التهوية والتكييف وحده الذي لازال يوجد تحت الضمان، بل كل المعدات التقنية المختلة الأخرى، كنظام التحكم في الأمتعة، واللائحة الإلكترونية الكبيرة لأرقام الرحلات، وإضاءة البهو. فكل هذه المعدات لازالت تحت الضمان وليس من حق تقنيي المطار، الذين يتهمهم مديرهم بالوقوف وراء تسريب «القطرة»، أن يضعوا أيديهم فيها. فالشركة التي اشترتها وركبتها هي المخولة قانونيا داخل آجال الضمان القانوني بإعادة إصلاح أعطابها أو تغييرها.
ولو أن المكتب الوطني للمطارات التابع لوزارة التجهيز كان يفتقر إلى مكتب خاص بجودة الخدمات، لكان الأمر أهون، أما وأن المكتب يتوفر على هذا المكتب وهذا المكتب لديه رئيس، فهذا يدفعنا إلى التساؤل عن الشواهد العلمية التي يملكها رئيس هذا القسم حتى يعطي الضوء الأخضر ويوقع بالموافقة على جودة الخدمات التي قدمتها شركة «SGTM» للمكتب الوطني للمطارات.
عندما نرى كيف يمر بعض الأعوان بسرعة البرق إلى رتبة رئيس قسم ثم بعد ذلك إلى رتبة مسؤول عن وحدة، فقط لأنهم ينحدرون من عائلة المدير، نتوقع الأسوأ. ومن هنا تبدأ الكوارث التي يريد البعض إرجاعها إلى الطبيعة وحدها، فيما العامل البشري يتحمل فيها النصيب الأكبر من المسؤولية. وكل من يريد أن يفهم طبيعة العقلية التي تتحكم في تسيير الشأن العام اليوم بالمغرب، ما عليه سوى أن يذهب إلى موقع «يوتوب» لكي يشاهد شريطا حول تهافت ممثلي السكان وأعيان المدينة ومسؤوليها على الملاسة في حفل تدشين بمدينة تارغيست. فقد دام «حفل» وضع الحجر الأساس ربع ساعة تناوب خلاله جميع الحاضرين على التبرك بالملاسة، وتبليط «حقهم» من السيما.
وما بين تهافت البرلمانيين والمستشارين على الحلوى في افتتاح الدورة الخريفية، وما بين تهافت الوالي وأعوانه وممثلي السكان بمدينة تارغيست على الملاسة في حفل تدشين عادي، نفهم أين يضيع أولئك الذين عهدنا إليهم بأمورنا وقتهم.
وأحسن ما قرأت حول الشريط، هو تعليق لأحد المشاهدين لخص فيه كل شيء قائلا «بقات فيا غير الملاسة مسكينة».
بعدما كنا نعيش عصر التناوب على السلطة، أصبحنا نعيش اليوم عصر التناوب على «الملاسة». الجميع ينتظر دوره لكي «يملس بلاصتو»، إلا من رحم ربك طبعا.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

Serie Marocaine Touria - السلسلة المغربية ثوريا - ثورية

Comedia 2011 - finale - كوميديا البرايم الأخير